ماكرون يعترف بـ"فلسطين".. لكن لأي هدف؟
روجر كوهين- نيويورك تايمز
Saturday, 26-Jul-2025 07:19

في إعلانه عن اعتراف فرنسا بدولة فلسطينية، عبّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن غضبه المتزايد إزاء مقتل وتجويع الفلسطينيِّين في غزة، لكنّه في الوقت نفسه أثار عداء الولايات المتحدة وإسرائيل وجزء كبير من الجالية اليهودية الفرنسية.

تمثّل هذه خطوة مكلفة لرئيس قدّم هذا القرار على أنّه ضروري للحفاظ على أمل ما، ولو ضئيلاً، في سلام قائم على دولتَين. لكنّ ماكرون يكره الجمود وغالباً ما يتصرّف بمعزل عن الآخرين. لقد فَقَد صبره تجاه أميركا في عهد الرئيس ترامب، وألمح إلى أنّه يشعر بواجب أخلاقي في مواجهة الدمار الإسرائيلي الذي حلّ بغزة.

 

من المؤكّد أنّه وضع نفسه في موقف حساس، باتخاذه خطوة تجنّبها رؤساء فرنسيّون سابقون، وفي وقت لم تنزع فيه «حماس» سلاحها في غزة، وبدا فيه قيام دولة فلسطينية أبعد من أي وقت مضى.

 

يعكس قرار ماكرون تنامي الذهول العالمي من التجويع وقتل المدنيِّين في غزة. فقد دعت كل من أستراليا وبريطانيا وكندا إسرائيل في الأيام الأخيرة إلى السماح بمزيد من المساعدات للدخول إلى القطاع، وهو ما قد يحدث الآن. لكنّ اعتراف فرنسا بدولة فلسطينية لا يبدو أنّه سيؤثر على جهود التوصّل إلى وقف لإطلاق النار، فضلاً عن تحفيز ديبلوماسية جدّية تركّز على مستقبل غزة، طالما أنّ الولايات المتحدة لديها رؤية مغايرة.

 

واعتبر ترامب بشأن إعلان ماكرون: «ما يقوله لا يهمّ. هذا التصريح لا يحمل أي وزن».

 

لم يكن هناك ما يُشير في الأيام السابقة لإعلان ماكرون مساء يوم خميس صيفي إلى قرب صدوره. فقد صرّح وزير الخارجية الفرنسي جان-نوييل بارو لإذاعة «فرانس إنتر»، أنّ مؤتمراً سيعقد في الأمم المتحدة الأسبوع المقبل «لإعادة رسم الآفاق السياسية» لسلام الدولتَين. وبدت إحاطتان من وزارة الخارجية الفرنسية وكأنّهما تمارين في المراوغة حول موضوع الاعتراف.

 

وحتى المسؤولون الفرنسيّون أنفسهم لم يكونوا على علم بتوقيت القرار، بحسب أحد كبار الديبلوماسيين، الذي رفض ذكر اسمه تماشياً مع الأعراف الرسمية.

 

ونشر ماكرون رسالة شخصية إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس عبر منصة «إكس»، أبلغه فيها بالقرار الفرنسي، وقد سُلّمت له باليَد في وقت سابق من ذلك اليوم من قِبل القنصل الفرنسي العام في القدس.

 

رحّبت حركة «حماس»، الخصم اللدود لعباس على القيادة الفلسطينية، بماكرون، واعتبرت قراره «خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح»، ودعت دولاً أوروبية أخرى لتحذو حذوه، على رغم من إصرار بارو على أنّ القرار الفرنسي يعزل «هذه الحركة الإرهابية» عبر تبنّي خيار السلام على حساب الحرب.

 

وندّد المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا، المعروف اختصاراً بـCRIF، بالخطوة واعتبرها «تجاوزاً أخلاقياً وخطأً ديبلوماسياً وخطراً سياسياً» في وقت لا تزال فيه «حماس» تحتجز رهائن إسرائيليِّين في غزة. ويمثل المجلس جالية يهودية يبلغ عددها حوالى 500 ألف شخص، وهي الأكبر في أوروبا الغربية.

 

وأوضح جيل كيبيل، عالم السياسة وأحد أبرز الخبراء الفرنسيِّين في شؤون الشرق الأوسط: «صور أطفال غزة الجائعين، في لحظة ترفض فيها الولايات المتحدة الضغط على إسرائيل، ولّدت شعوراً لدى ماكرون بأنّ الأمر لم يَعُد محتملاً. هو يعتقد أنّها الطريقة الوحيدة لوقف القتل».

 

لكن كيفية تحقيق ذلك تبقى غير واضحة. فإسرائيل تعتمد على الولايات المتحدة لأمنها، لا على أوروبا. ويحظى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بدعم من ترامب لسياساته. قد تحذو إحدى دولتَين أخريَين من مجموعة السبع الصناعية حذو فرنسا، ممّا يزيد الضغط على إسرائيل، لكن لم تتخذ أي منها هذه الخطوة حتى الآن.

 

أصدر رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بياناً، أدان فيه «المعاناة التي لا توصف ولا يمكن الدفاع عنها» في غزة، وأكّد أنّ للفلسطينيِّين «حقاً غير قابل للتصرّف» في إقامة دولة لهم.

 

لكنّه لم يصل إلى حدّ الاعتراف بالدولة الفلسطينية، على رغم من تصاعد الضغوط عليه، وتوصية من لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان تدعوه إلى القيام بذلك «فوراً». وأشار إلى أنّ وقف إطلاق النار هو الحدّ الأدنى المطلوب في هذه المرحلة.

 

ولمّحت فرنسا سابقاً إلى أنّها لن تتحرّك منفردة، وأنّها تُفضّل اعترافاً متزامناً مع تطبيع للعلاقات بين إسرائيل ودول عربية من بينها السعودية، وأنّها ترغب في المضي قدماً في الاعتراف بعد أن تتخلّى «حماس» عن سلاحها وتفرج عن جميع الرهائن.

 

لكنّ ماكرون شعر بأنّ عليه أن يتحرّك. وهذا دائماً ما يكون ميله الطبيعي. يبدو أنّه مقتنع بأنّه لا سبيل آخر لمواجهة المحاولات الإسرائيلية المتزايدة لدفع الفلسطينيِّين اليائسين إلى خارج أنقاض غزة، ووقف القتل.

 

من خلال الاعتراف بدولة فلسطينية، سجّل ماكرون اعتراضه، ويأمل في بناء زخم ديبلوماسي خلف حل الدولتَين، لكنّه أيضاً فتح المجال أمام اتهامات بأنّه كافأ هجوم «حماس» المدمّر على إسرائيل الذي لم يمضِ عليه عامان بعد.

 

وقد تخلّى السفير الأميركي الجديد لدى فرنسا، تشارلز كوشنر، عن الأعراف الديبلوماسية ليعرب عن غضبه عبر منصة «إكس»، واصفاً قرار ماكرون بأنّه «هدية لحماس وضربة للسلام. آمل أن أغيّر رأيك قبل أيلول»، موعد إعلان الرئيس الفرنسي قراره رسمياً في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

 

أمّا مايك هاكابي، سفير ترامب لدى إسرائيل، فلفت إلى أنّ فرنسا لم توضّح أين ستقوم «الدولة الفلسطينية» التي تعترف بها. وكتب على «إكس»: «يمكنني الآن أن أكشف حصرياً أنّ فرنسا ستقدّم الريفييرا الفرنسية وستُسمّى الأمة الجديدة: فرانك-إن-ستاين».

 

تشير تصريحات السفيرَين الأميركيَّين إلى أنّ مفاهيم الديبلوماسية والتحالفات القديمة تبخّرت منذ تولّي ترامب الرئاسة. ويأتي قرار ماكرون في سياق علاقة فرنسية متوترة مع ترامب، وحالة من عدم اليقين الأوروبي الأوسع حول ما إذا كانت الولايات المتحدة لا تزال حليفاً أم خصماً. وتعيش أوروبا في ظل قلق استراتيجي عميق إزاء الحروب في الشرق الأوسط وأوكرانيا.

الأكثر قراءة